الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.مَا وَرَدَ فِي الدُّخَانِ: .مَا وَرَدَ فِي الْمُفَصَّلِ: .الرَّحْمَنُ: .الْمُسَبِّحَاتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى رَجُلًا إِذَا أَتَى مَضْجَعَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْحَشْرِ وَقَالَ: إِنْ مُتَّ مُتَّ شَهِيدًا». وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: «مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: «مَنْ قَرَأَ خَوَاتِيمَ الْحَشْرِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَمَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ». .تَبَارَكَ: وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «هِيَ الْمَانِعَةُ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ، تُنْجِي مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِه: «وَدِدْتُ أَنَّهَا فِي قَلْبِ كَلِّ مُؤْمِنٍ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}». وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ قَرَأَ تَبَارَكَ الَّذِي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كُلَّ لَيْلَةٍ مَنَعَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». .الْأَعْلَى: .الْقَيِّمَةُ: .الزَّلْزَلَةُ: .العاديات: .أَلْهَاكُمْ (التكاثر): .الْكَافِرُونَ: وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ بِرُبْعِ الْقُرْآنِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: «اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ». وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ؟ تَقْرَءُونَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} عِنْدَ مَنَامِكُمْ». .النَّصْرُ: .الْإِخْلَاصُ: وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير: «وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ، وَأَمِنَ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ، وَحَمْلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَكُفِّهَا حَتَّى تُجِيزَهُ الصِّرَاطَ إِلَى الْجَنَّةِ». وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: يَا عَبْدِي ادْخُلْ عَلَى يَمِينِكَ الْجَنَّةَ». وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الدَّيْلِمِيّ: «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ». وَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عَشْرَ مَرَّاتٍ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِشْرِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ قَصْرَانِ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً بُنِيَ لَهُ ثَلَاثَةٌ». وَأَخْرَجَ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِه: «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ إِذَا اتَّقَى». .الْمُعَوِّذَتَانِ: وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلَ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ قَالَ: بَلَى قَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ». وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنَ السُّوءِ إِلَى الْجُمْعَةِ الْأُخْرَى». وَبَقِيَتْ أَحَادِيثُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ أَخَّرْتُهَا إِلَى نَوْعِ الْخَوَاصِّ. .فصل: في ذِكْرِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْمَوْضُوعِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي مُقَدِّمَةِ تَارِيخِ الضُّعَفَاءِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِمَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّه: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث: مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا؟ قَالَ: وَضَعْتُهَا أُرَغِّبُ النَّاسَ فِيهَا. وَرُوِّينَا عَنِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً، فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِالْمَدَائِنِ، وَهُوَ حَيٌّ فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِوَاسِطَ، وَهُوَ حَيٌّ فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِالْبَصْرَةِ فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِعَبَادَانِ فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا، فَإِذَا فِيهِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَمَعَهُمْ شَيْخٌ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ حَدَّثَنِي فَقُلْتُ: يَا شَيْخُ مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي أَحَدٌ، وَلَكِنَّنَا رَأَيْنَا النَّاسَ قَدْ رَغِبُوا عَنِ الْقُرْآنِ فَوَضَعْنَا لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ لِيَصْرِفُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاح: وَلَقَدْ أَخْطَأَ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ، وَمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي إِيدَاعِهِ تَفَاسِيرَهُمْ. .النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: فِي أَفْضَلِ الْقُرْآنِ وَفَضَائِلِهِ: فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ إِلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقَصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَرَوَى هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: تَفْضِيلُ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ خَطَأٌ، وَلِذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُعَادَ سُورَةٌ أَوْ تُرَدَّدَ دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْطِي لِقَارِئِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا يُعْطِي لِقَارِئِ أُمِّ الْقُرْآنِ، إِذِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفَضْلِهِ فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَأَعْطَاهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى غَيْرَهَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِهِ». قَالَ: وَقَوْلُهُ: أَعْظَمُ سُورَةٍ أَرَادَ بِهِ فِي الْأَجْرِ لَا أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى التَّفْضِيلِ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ لَحَقٌّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي جَوَاهِرِ الْقُرْآن: لَعَلَّكَ أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْتَ إِلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، وَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إِنْ كَانَ لَا يُرْشِدُكَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَاتِ، وَبَيْنَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَسُورَةِ تَبَّتْ، وَتَرْتَاعُ عَلَى اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُكَ الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ بِالتَّقْلِيدِ، فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ: «يس قَلْبُ الْقُرْآنِ» وَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ» وَ: «آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ» وَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَتَخْصِيصِ بَعْضِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ بِالْفَضْلِ، وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي تِلَاوَتِهَا لَا تُحْصَى. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّار: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ، مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْضِيلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَام: كَلَامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي غَيْرِهِ، فَـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَفْضَلُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: كَلَامُ اللَّهِ أَبْلَغُ مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بَعْضُ كَلَامِهِ أَبْلَغُ مِنْ بَعْضِ الْكَلَامِ؟ جَوَّزَهُ قَوْمٌ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِل: هَذَا الْكَلَامُ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا، أَنَّ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ لَهُ حُسْنٌ وَلُطْفٌ، وَذَاكَ فِي مَوْضِعِهِ لَهُ حُسْنٌ وَلُطْفٌ، وَهَذَا الْحُسْنُ فِي مَوْضِعِهِ أَكْمَلُ مِنْ ذَاكَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ: فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أَبْلَغُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} جَعَلَ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ أَبِي لَهَبٍ، وَبَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الْكَافِرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْخُسْرَانِ، فَهَلْ تُوجَدُ عِبَارَةٌ لِلدُّعَاءِ بِالْخُسْرَانِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ، وَكَذَلِكَ فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لَا تُوجَدُ عِبَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ أَبْلَغُ مِنْهَا، فَالْعَالِمُ إِذَا نَظَرَ إِلَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} فِي بَابِ الدُّعَاءِ بِالْخُسْرَانِ، وَنَظَرَ إِلَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي بَابِ التَّوْحِيدِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغُ مِنَ الْآخَرِ. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ الْأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ، بِحَسْبِ انْفِعَالَاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعُلَا، وَقِيلَ: بَلْ يُرْجَعُ لِذَاتِ اللَّفْظِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} الْآيَةَ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخَرُ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلًا فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَى التَّفْضِيلِ يَرْجِعُ إِلَى أَشْيَاءَ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِآيَةٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأُخْرَى، وَأَعْوَدُ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ: آيَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ خَيْرٌ مِنْ آيَاتِ الْقَصَصِ، لِأَنَّهَا إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا تَأْكِيدُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ، وَلَا غِنَى بِالنَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَقَدْ يَسْتَغْنُونَ عَنِ الْقَصَصِ، فَكَانَ مَا هُوَ أَعْوَدُ عَلَيْهِمْ وَأَنْفَعُ لَهُمْ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا يُجْعَلُ لَهُمْ تَبَعًا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الْآيَاتُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى تَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَانِ صِفَاتِهِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عَظَمَتِهِ أَفْضَلُ، بِمَعْنَى أَنَّ مُخْبِرَاتِهَا أَسْنَى، وَأَجَلُّ قَدْرًا. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: سُورَةٌ خَيْرٌ مِنْ سُورَةٍ، أَوْ آيَةٌ خَيْرٌ مِنْ آيَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الْقَارِئَ يَتَعَجَّلُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا فَائِدَةً سِوَى الثَّوَابِ الْآجِلِ، وَيَتَأَدَّى مِنْهُ بِتِلَاوَتِهَا عِبَادَةٌ، كَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَإِنَّ قَارِئَهَا يَتَعَجَّلُ بِقِرَاءَتِهَا الِاحْتِرَازَ مِمَّا يَخْشَى، وَالِاعْتِصَامَ بِاللَّهِ، وَيَتَأَدَّى بِتِلَاوَتِهَا عِبَادَةُ اللَّهِ، لِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالصِّفَاتِ الْعُلَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ لَهَا، وَسُكُونِ النَّفْسِ إِلَى فَضْلِ ذَلِكَ الذِّكْرِ وَبَرَكَتِهِ. فَأَمَّا آيَاتُ الْحُكْمِ فَلَا يَقَعُ بِنَفْسِ تِلَاوَتِهَا إِقَامَةُ حُكْمٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهَا عِلْمٌ. ثُمَّ لَوْ قِيلَ فِي الْجُمْلَة: إِنَّ الْقُرْآنَ خَيْرٌ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ بِمَعْنَى أَنَّ التَّعَبُّدَ بِالتِّلَاوَةِ، وَالْعِلْمَ وَاقِعٌ بِهِ دُونَهَا، وَالثَّوَابَ بِحَسَبِ قِرَاءَتِهِ لَا بِقِرَاءَتِهَا، أَوْ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْجَازُ حُجَّةُ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ، وَتِلْكَ الْكُتُبُ لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةً، وَلَا كَانَتْ حُجَجُ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمْ وَالْحُجَجُ غَيْرَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا نَظِيرَ مَا مَضَى. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ سُورَةً أَفْضَلُ مِنْ سُورَةٍ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قِرَاءَتَهَا كَقِرَاءَةِ أَضْعَافِهَا مِمَّا سِوَاهَا، وَأَوْجَبَ بِهَا مِنَ الثَّوَابِ مَا لَمْ يُوجِبْ بِغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ بَلَغَ بِهَا هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَظْهَرُ لَنَا، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ يَوْمًا أَفْضَلُ مِنْ يَوْمٍ، وَشَهْرًا أَفْضَلُ مِنْ شَهْرٍ، بِمَعْنَى الْعِبَادَةُ فِيهِ تَفْضُلُ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِهِ، وَالذَّنْبُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَكَمَا يُقَالُ: إِنَّ الْحَرَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى فِيهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ مَا لَا يَتَأَدَّى فِي غَيْرِهِ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَكُونُ كَصَلَاةٍ مُضَاعَفَةٍ مِمَّا تُقَامُ فِي غَيْرِهَا. انْتَهَى كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ» مَعْنَاهُ: أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا كَانَتْ أَعْظَمَ السُّوَرِ، لِأَنَّهَا جَمَعَتْ جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ أَوْدَعَ عُلُومَ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةَ، فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَبَيَانُ اشْتِمَالِهَا عَلَى عُلُومِ الْقُرْآنِ قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، بِاشْتِمَالِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَعَلَى التَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَعَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ لَا تَخْلُو عَنْ أَحَدٍ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّين: الْمَقْصُودُ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ تَقْرِيرُ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: الْإِلَهِيَّاتِ، وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَإِثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى. فَقَوْلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]. يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ، وَقَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ وَقَوْلُهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخَبَرِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَقَوْلُهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ قَضَاءِ اللَّهِ وَعَلَى النُّبُوَّاتِ. فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصِدُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْمَطَالِبَ الْأَرْبَعَةَ وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ، وَالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَرَاتِبِ السُّعَدَاءِ وَمَنَازِلِ الْأَشْقِيَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الدِّينِ. أَحَدُهَا: عِلْمُ الْأُصُولِ وَمُعَاقَدَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَمَعْرِفَةُ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَمَعْرِفَةُ الْمَعَادِ وَهُوَ الْمُومِئُ إِلَيْهِ بِقَوْلِه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. وَثَانِيهَا: عِلْمُ الْفُرُوعِ، وَأُسُّهُ الْعِبَادَاتُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}. وَثَالِثُهَا: عِلْمٌ يَحْصُلُ بِهِ الْكَمَالُ وَهُوَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ، وَأَجَلُّهُ الْوُصُولُ إِلَى الْحَضْرَةِ الصَّمَدَانِيَّةِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى جَنَابِ الْفَرْدَانِيَّةِ وَالسُّلُوكُ لِطَرِيقِهِ، وَالِاسْتِقَامَةُ فِيهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. وَرَابِعُهَا: عِلْمُ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، السُّعَدَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَشْقِيَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ وَعْدِ مُحْسِنِهِمْ وَوَعِيدِ مُسِيئِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِه: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ: ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ. الْأُولَى: تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا، وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا، وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِـ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِه: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِـ: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انْتَهَى. وَلَا يُنَافِي هَذَا وَصْفُهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِكَوْنِهَا ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ; لِأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَّهَهُ بِأَنَّ دَلَالَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيم: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْ بِالتَّضَمُّنِ أَوْ بِالِالْتِزَامِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ تَدُلُّ جَمِيعَ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ دُونَ الْمُطَابَقَةِ، وَالِاثْنَانِ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُلُثَانِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهُ، وَنَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمَيْلَقِ. قَالَ: وَأَيْضًا الْحُقُوقُ ثَلَاثَةٌ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ، وَحَقُّ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدِ اشْتَمَلَتِ الْفَاتِحَةُ صَرِيحًا عَلَى الْحَقَّيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَنَاسَبَ كَوْنَهَا بِصَرِيحِهَا ثُلُثَيْنِ. وَحَدِيثُ «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» شَاهِدٌ لِذَلِكَ. قُلْتُ: وَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ الْفَاتِحَةِ أَعْظَمَ السُّوَرِ، وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ «أَنَّ الْبَقَرَةَِ أَعْظَمُ السُّوَرِ»; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي فُصِّلَتْ فِيهَا الْأَحْكَامُ، وَضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ، وَأُقِيمَتِ الْحُجَجُ، إِذْ لَمْ تَشْتَمِلْ سُورَةٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ فُسْطَاطَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِه: سَمِعْتُ بَعْضَ أَشْيَاخِي يَقُولُ: فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ، وَأَلْفُ نَهْيٍ، وَأَلْفُ حُكْمٍ، وَأَلْفُ خَبَرٍ، وَلِعَظِيمِ فِقْهِهَا أَقَامَ ابْنُ عُمَرَ ثَمَانِيَ سِنِينَ عَلَى تَعْلِيمِهَا. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا: إِنَّمَا صَارَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ الْآيَاتِ لِعَظَمِ مُقْتَضَاهَا، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ ذَاتِهِ وَمُقْتَضَاهُ وَتَعَلُّقَاتِهِ، وَهِيَ فِي آيِ الْقُرْآنِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي سُوَرِهِ، إِلَّا أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ تَفْضُلُهَا بِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا سُورَةٌ، وَهَذِهِ آيَةٌ، وَالسُّورَةُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّحَدِّي بِهَا، فَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي لَمْ يُتَحَدَّ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ اقْتَضَتِ التَّوْحِيدَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ اقْتَضَتِ التَّوْحِيدَ فِي خَمْسِينَ حَرْفًا، فَظَهَرَتِ الْقُدْرَةُ فِي الْإِعْجَازِ بِوَضْعِ مَعْنًى مُعَبَّرٍ عَنْهُ بِخَمْسِينَ حَرْفًا، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَذَلِكَ بَيَانٌ لِعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِير: اشْتَمَلَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا فِي بَعْضِهَا، وَمُسْتَكِنًّا فِي بَعْضٍ، وَهِيَ: اللَّهُ، هُوَ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، ضَمِيرُ لَا تَأْخُذُهُ، وَلَهُ، وَعِنْدَهُ، وَبِإِذْنِهِ، وَيَعْلَمُ، وَعِلْمِهِ، وَشَاءَ، وَكُرْسِيُّهُ، وَيَئُودُهُ، ضَمِيرُ حِفْظُهُمَا، الْمُسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ الْمَصْدَرُ، وَهُوَ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ. وَإِنْ عَدَدْتَ الضَّمَائِرَ الْمُتَحَمِّلَةَ فِي: الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ، وَالضَّمِيرُ الْمُقَدَّرُ قَبْلَ الْحَيُّ عَلَى أَحَدِ الْأَعَارِيبِ صَارَتِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةَ الْآيَاتِ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَقَطْ، لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَقْصَى فِي الْعُلُومِ، وَمَا عَدَاهُ تَابِعٌ لَهُ، وَالسَّيِّدُ اسْمٌ لِلْمَتْبُوعِ الْمُقَدَّمِ، فَقَوْلُهُ: اللَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الذَّاتِ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} إِشَارَةٌ إِلَى تَوْحِيدِ الذَّاتِ {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَجَلَالِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْقَيُّومِ الَّذِي يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ. {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} تَنْزِيهٌ وَتَقْدِيسٌ لَهُ عَمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِ الْحَوَادِثِ، وَالتَّقْدِيسُ عَمَّا يَسْتَحِيلُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْمَعْرِفَةِ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إِشَارَةٌ إِلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا، وَأَنْ جَمِيعَهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} إِشَارَةٌ إِلَى انْفِرَادِهِ بِالْمُلْكِ وَالْحُكْمِ بِالْأَمْرِ، وَأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا يَمْلِكُهَا بِتَشْرِيفِهِ إِيَّاهُ وَالْإِذْنِ فِيهَا، وَهَذَا نَفْيُ الشَّرِكَةِ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَمْرِ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ شَاءَ إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْمَعْلُومَاتِ، وَالِانْفِرَادِ بِالْعِلْمِ حَتَّى لَا عِلْمَ لِغَيْرِهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ وَوَهَبَهُ، عَلَى قَدْرِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إِشَارَةٌ إِلَى عَظَمَةِ مُلْكِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ. {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} إِشَارَةٌ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ وَكَمَالِهَا، وَتَنْزِيهِهَا عَنِ الضَّعْفِ وَالنُّقْصَانِ. {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} إِشَارَةٌ إِلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِي الصِّفَاتِ. فَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ، ثُمَّ تَلَوْتَ جَمِيعَ آيِ الْقُرْآنِ لَمْ تَجِدْ جُمْلَتَهَا مَجْمُوعَةً فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ {شْهِدُ اللَّهَ} [آلِ عِمْرَانَ: 18]. لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ وَالتَّقْدِيسُ، وَ{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْأَفْعَالُ، وَالْفَاتِحَةُ فِيهَا الثَّلَاثَةُ، لَكِنْ غَيْرُ مَشْرُوحَةٍ بَلْ مَرْمُوزَةٌ، وَالثَّلَاثَةُ مَجْمُوعَةٌ مَشْرُوحَةٌ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ. وَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْهَا فِي جَمْعِهَا آخِرُ الْحَشْرِ وَأَوَّلُ الْحَدِيدِ، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ لَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا قَابَلْتَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، بِإِحْدَى تِلْكَ الْآيَاتِ، وَجَدْتَهَا أَجْمَعَ لِلْمَقَاصِدِ، فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّتِ السِّيَادَةَ عَلَى الْآيِ، كَيْفَ وَفِيهَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ انْتَهَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَاتِحَة: أَفْضَلُ، وَفِي أَيَّةِ الْكُرْسِيّ: سَيِّدَةٌ، لِسِرٍّ وَهُوَ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ فُنُونِ الْفَضْلِ وَأَنْوَاعِهَا الْكَثِيرَةِ يُسَمَّى أَفْضَلَ، فَإِنَّ الْفَضْلَ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَزْيَدُ. وَأَمَّا السُّؤْدُدُ فَهُوَ رُسُوخُ مَعْنَى الشَّرَفِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاسْتِتْبَاعَ، وَيَأْبَى التَّبَعِيَّةَ، وَالْفَاتِحَةُ تَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، وَمَعَارِفَ مُخْتَلِفَةٍ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْعُظْمَى، الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ الْمَتْبُوعَةُ الَّتِي تَتْبَعُهَا سَائِرُ الْمَعَارِفِ، فَكَانَ اسْمُ السَّيِّدِ بِهَا أَلْيَقَ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيث: «قَلْبُ الْقُرْآنِ يس» إِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ صِحَّتُهُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ، فَجُعِلَتْ قَلْبَ الْقُرْآنِ لِذَلِكَ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَقْرِيرُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَة: الْوَحْدَانِيَّةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْحَشْرُ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَالْجَنَانِ. وَأَمَّا الَّذِي بِاللِّسَانِ وَالْأَرْكَانِ فَفِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَلَمَّا كَانَ فِيهَا أَعْمَالُ الْقَلْبِ لَا غَيْرَ سَمَّاهَا قَلْبًا، وَلِهَذَا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْمُحْتَضِرِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ اللِّسَانُ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ وَالْأَعْضَاءُ سَاقِطَةً لَكِنَّ الْقَلْبَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَجَعَ عَمَّا سِوَاهُ، فَيُقْرَأُ عِنْدَهُ مَا يَزْدَادُ بِهِ قُوَّةً فِي قَلْبِهِ، وَيَشْتَدُّ تَصْدِيقُهُ بِالْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ. انْتَهَى. اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، فَقِيلَ: كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ شَخْصًا يُكَرِّرُهَا تَكْرَارَ مَنْ يَقْرَأُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَسَائِرُ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى قَصَصٍ وَشَرَائِعَ وَصِفَاتٍ، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ كُلُّهَا صِفَاتٌ فَكَانَتْ ثُلُثًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْجَوَاهِر: مَعَارِفُ الْقُرْآنِ الْمُهِمَّةُ ثَلَاثَةٌ: مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْآخِرَةِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَتْ ثُلُثًا. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّازِيُّ: الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِه: إِمَّا صِفَاتُ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا صِفَاتُ الْفِعْلِ، وَإِمَّا صِفَاتُ الْحُكْمِ، فَهَذِهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ، وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى صِفَاتِ الْحَقِيقَةِ فَهِيَ ثُلُثٌ. وَقَالَ الْخُوَيِّي: الْمَطَالِبُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مُعْظَمُهَا الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ، وَيَحْصُلُ الْإِيمَانُ، وَهِيَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِصِدْقِ رَسُولِهِ، وَاعْتِقَادُهُ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَادِقٌ، وَأَنَّ الدِّينَ وَاقِعٌ، صَارَ مُؤْمِنًا حَقًّا، وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا كَفَرَ قَطْعًا، وَهَذِهِ السُّورَةُ تُفِيدُ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ، فَهِيَ ثُلُثُ الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقُرْآنُ قِسْمَان: خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ. وَالْخَبَرُ قِسْمَان: خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ، وَخَبَرٌ عَنِ الْمَخْلُوقِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ. وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ أَخْلَصَتِ الْخَبَرَ عَنِ الْخَالِقِ، فَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ثُلُثٌ. وَقِيلَ: تَعْدِلُ فِي الثَّوَابِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ وَالنَّصْرِ وَالْكَافِرُونَ، لَكِنْ ضَعَّفَ ابْنُ عَقِيلٍ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَلَهُ أَجْرُ ثُلُثِ الْقُرْآنِ، لِقَوْلِه: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: السُّكُوتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا وَأَسْلَمُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». مَا وَجْهُهُ؟ فَلَمْ يَقُمْ لِي فِيهَا عَلَى أَمْرٍ. وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَضَّلَ كَلَامَهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ، جَعَلَ لِبَعْضِهِ أَيْضًا فَضْلًا فِي الثَّوَابِ لِمَنْ قَرَأَهُ، تَحْرِيضًا عَلَى تَعْلِيمِهِ، لَا أَنْ مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ، هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ قَرَأَهَا مِائَتَيْ مَرَّةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: فَهَذَانِ إِمَامَانِ بِالسُّنَّةِ مَا قَامَا وَلَا قَعَدَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَيْلَقِ فِي حَدِيث: «إِنَّ الزَّلْزَلَةَ نِصْفُ الْقُرْآنِ» لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ تَنْقَسِمُ إِلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كُلِّهَا إِجْمَالًا، وَزَادَتْ عَلَى الْقَارِعَةِ بِإِخْرَاجِ الْأَثْقَالِ وَتَحْدِيثِ الْأَخْبَارِ. وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رُبُعًا، فَلِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْبَعْثِ رُبُعُ الْإِيمَانِ، فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ» فَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْبَعْثِ الَّذِي قَرَّرَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ رُبُعُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي سِرِّ كَوْنِ أَلْهَاكُمْ تَعْدِلُ أَلْفَ آيَةٍ: إِنَّ الْقُرْآنَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ، وَمِائَتَا آيَةٍ وَكَسْرٌ، فَإِذَا تَرَكْنَا الْكَسْرَ كَانَ الْأَلْفُ سُدُسَ الْقُرْآنِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى سُدُسِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ سِتَّةٌ: ثَلَاثٌ مُهِمَّةٌ، وَثَلَاثٌ مُتِمَّةٌ،- وَتَقَدَّمَتْ- وَأَحَدُهَا مَعْرِفَةُ الْآخِرَةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفِ آيَةٍ أَفْخَمُ وَأَجَلُّ وَأَضْخَمُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالسُّدُسِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي سِرِّ كَوْنِ سُورَةِ الْكَافِرُونَ رُبُعًا، وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ ثُلُثًا، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى الْإِخْلَاصَ: أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ اشْتَمَلَتْ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ الْكَافِرُونَ. وَأَيْضًا فَالتَّوْحِيدُ إِثْبَاتُ إِلَهِيَّةِ الْمَعْبُودِ وَتَقْدِيسُهُ، وَنَفْيُ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ، وَقَدْ صَرَّحَتِ الْإِخْلَاصُ بِالْإِثْبَاتِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَوَّحَتْ إِلَى نَفْيِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَالْكَافِرُونَ صَرَّحَتْ بِالنَّفْيِ وَلَوَّحَتْ بِالْإِثْبَاتِ وَالتَّقْدِيسِ، فَكَانَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ مِنَ التَّصْرِيحَيْنِ وَالتَّلْوِيحَيْنِ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ انْتَهَى. تَذْنِيبٌ: ذَكَرَ كَثِيرُونَ فِي أَثَر: أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَعُلُومِهَا فِي الْقُرْآنِ، وَعُلُومِهِ فِي الْفَاتِحَةِ فَزَادُوا: وَعُلُومَ الْفَاتِحَةِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَعُلُومَ الْبَسْمَلَةِ فِي بَائِهَا. وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ الْعُلُومِ وُصُولُ الْعَبْدِ إِلَى الرَّبِّ، وَهَذِهِ الْبَاءُ بَاءُ الْإِلْصَاقِ، فَهِيَ تُلْصِقُ الْعَبْدَ بِجَنَابِ الرَّبِّ، وَذَلِكَ كَمَالُ الْمَقْصُودِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ فِي تَفْسِيرِهِمَا. .النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: قَالَ: نَادِهِمْ أَيُّ الْقُرْآنِ أَجْمَعُ؟ فَقَالَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَة: 7، 8]. فَقَالَ: نَادِهِمْ أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْزَنُ؟ فَقَالَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النِّسَاء: 113]. فَقَالَ: نَادِهِمْ أَيُّ الْقُرْآنِ أَرْجَى؟ فَقَالَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ [الزُّمَر: 53]. فَقَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَعْدَلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النَّحْل: 90]. وَأَحْكَمُ آيَةٍ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} إِلَى آخِرِهَا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النَّحْل: 90]. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَعْظَمُ فَرَحًا مِنْ آيَةٍ فِي سُورَةِ الْغُرَفِ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ [الزُّمَر: 53]. وَمَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَكْثَرُ تَفْوِيضًا مِنْ آيَةٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الْآيَةَ [الطَّلَاق: 3]. وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ يَعْمُرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَة: 255]. وَأَعْدَلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النَّحْل: 90]. إِلَى آخِرِهَا، وَأَخْوَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَة: 7، 8]. وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 53]. إِلَى آخِرِهَا». وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا: أَحَدُهَا: آيَةُ الزُّمَرِ. وَالثَّانِي: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [الْبَقَرَة: 260]. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَا: الْتَقَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَرْجَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ [الزُّمَر: 53]. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكِنَّ قَوْلَ اللَّه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} قَالَ: فَرَضِيَ مِنْهُ بِقَوْلِه: بَلَى قَالَ: فَهَذَا لِمَا يَعْتَرِضُ فِي الصَّدْرِ مِمَّا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ. الثَّالِثُ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَقُولُونَ: أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الْآيَةَ [الزُّمَر: 53]. لَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّه: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5]. وَهِيَ الشَّفَاعَةُ. الرَّابِعُ: مَا أَخْرَجَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ النَّار: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النَّبَأ: 50]. وَأَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ. [النِّسَاء: 48]. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَحَبُّ آيَةٍ إِلَيَّ فِي الْقُرْآنِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ. الْخَامِسُ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَك: أَنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّور: 22]. السَّادِسُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التَّوْبَة: 102]. السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي قَوْلِه: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الْأَحْقَاف: 35]. إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدِي أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرَّعْد: 6]. وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مَكِّيٌّ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ. التَّاسِعُ: رَوَى الْهَرَوِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ أَيُّ آيَةٍ أَرْجَى؟ قَالَ: قوله: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [الْبَلَد: 15، 16]. قَالَ: وَسَأَلَتْهُ عَنْ أَرْجَى حَدِيثٍ لِلْمُؤْمِنِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُدْفَعُ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِدَاؤُهُ. الْعَاشِرُ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الْإِسْرَاء: 84]. الْحَادِيَ عَشَرَ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سَبَأٍ: 17]. الثَّانِيَ عَشَرَ: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48]. حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30]. حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ النَّوَوِيُّ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالْأَخِيرُ ثَابِتٌ عَنْ عَلِيٍّ، فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، حَدَّثَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30]. وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبْتَ أَيْدِيكُمْ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ الْعُقُوبَةَ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، فَاللَّهُ أَحْكَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ». الرَّابِعَ عَشَرَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الْأَنْفَال: 135]. قَالَ الشِّبْلِيُّ: إِذَا كَانَ اللَّهُ أَذِنَ لِلْكَافِرِ بِدُخُولِ الْبَابِ إِذَا أَتَى بِالتَّوْحِيدِ وَالشَّهَادَةِ، أَفَتَرَاهُ يُخْرِجُ الدَّاخِلَ فِيهَا وَالْمُقِيمَ عَلَيْهَا. الْخَامِسَ عَشَرَ: آيَةُ الدَّيْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْشَدَ عِبَادَهُ إِلَى مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، حَتَّى انْتَهَتِ الْعِنَايَةُ بِمَصَالِحِهِمْ إِلَى أَمْرِهِمْ بِكِتَابَةِ الدَّيْنِ الْكَثِيرِ وَالْحَقِيرِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ يُرْجَى عَفْوُهُ عَنْهُمْ لِظُهُورِ الْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ بِهِمْ. قُلْتُ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَمَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا أَصْبَحَ وَقَدْ كُتِبَتْ كَفَّارَتُهُ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهِ، وَجُعِلَتْ كَفَّارَةُ ذُنُوبِكُمْ قَوْلًا تَقُولُونَهُ، تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ آيَةً لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 135]. وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَمَانِ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرُبَتْ: أَوَّلُهُنَّ {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاء: 26]. وَالثَّانِيَةُ {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} [النِّسَاء: 27]. وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 28]. وَالرَّابِعَةُ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 31]. وَالْخَامِسَةُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 40]. وَالسَّادِسَةُ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 110]. وَالسَّابِعَةُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 148]. وَالثَّامِنَةُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 152]. وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَيُّ آيَةٍ أَرْجَى فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فُصِّلَتْ: 30]. وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِه: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الْعَقَدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: إِنِّي لِأَعْرِفُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَهْوَى عُمَرُ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: مَا لَكَ نَقَّبْتَ عَنْهَا حَتَّى عَلِمْتَهَا! وَمَا هِيَ؟ قَالَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النِّسَاء: 123]. فَمَا مَنَّا أَحَدٌ يَعْمَلُ سُوءًا إِلَّا جُزِيَ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَبِثْنَا حِينَ نَزَلَتْ مَا يَنْفَعُنَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَخَّصَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاء: 110]. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ عَنْ أَشَدِّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النَّبَأ: 30]. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشُدُّ عَلَيَّ مِنْ: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الْمَائِدَة: 68]. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ أَشَدُّ تَوْبِيخًا مِنْ هَذِهِ الْآيَة: {لَوْلَا يَنْهَاكُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} الْآيَةَ [الْمَائِدَة: 63]. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَرَأَ قَوْلَ اللَّه: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [الْمَائِدَة: 63]. قَالَ: وَاللَّهِ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَمَا أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ كَانَتْ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِه: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الْآيَةَ [الْأَحْزَاب: 37]. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ أَخْوَفَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [الْبَقَرَة: 8]. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَخْوَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآن: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 131]. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرَّحْمَن: 31]. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ سَمِعْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ خَفِيرِ الْحَارَةِ لَمْ أَنَمْ. وَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ: أَشَدُّ آيَةٍ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلُهُ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 106]. فَتَأَوَّلَهَا عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا أَشَدَّهُمَا عَلَى مَنْ يُجَادِلُ فِيهِ {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غَافِرٍ: 4]. {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الْبَقَرَة: 176]. وَقَالَ السَّعِيدِيُّ: سُورَةُ الْحَجِّ مِنْ أَعَاجِيبِ الْقُرْآنِ، فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ، وَحَضَرِيٌّ وَسَفَرِيٌّ، وَلَيْلِيٌّ وَنَهَارِيٌّ، وَحَرْبِيٌّ وَسِلْمِيٌّ، وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ. فَالْمَكِّيُّ مَنْ رَأَسِ الثَّلَاثِينَ إِلَى آخِرِهَا، وَالْمَدَنِيُّ مِنْ رَأَسِ خَمْسَ عَشْرَةَ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ، وَاللَّيْلِيُّ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا، وَالنَّهَارِيُّ مِنْ رَأْسِ تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى رَأْسِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَالْحَضَرِيُّ إِلَى رَأْسِ الْعِشْرِينِ. قُلْتُ: وَالسَّفَرِيُّ أَوَّلُهَا. وَالنَّاسِخُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ [الْحَجّ: 39]. وَالْمَنْسُوخُ {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} الْآيَةَ [الْحَجّ: 69]. نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} الْآيَةَ [الْحَجّ: 52]. نَسَخَتْهَا: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الْأَعْلَى: 6]. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الْآيَةَ [الْمَائِدَة: 106]. مِنْ أَشْكَلِ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ حُكْمًا وَمَعْنًى وَإِعْرَابًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} الْآيَةَ [الْأَعْرَاف: 31] جَمَعَتْ أُصُولَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا: الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالْخَبَرِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يُوسُفَ: 3]. قِيلَ: هُوَ قِصَّةُ يُوسُفَ وَسَمَّاهَا {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ذِكْرِ حَاسِدٍ وَمَحْسُودٍ، وَمَالِكٍ وَمَمْلُوكٍ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، وَعَاشِقٍ وَمَعْشُوقٍ، وَحَبْسٍ وَإِطْلَاقٍ، وَسَجْنٍ وَخَلَاصٍ، وَخِصْبٍ وَجَدْبٍ، وَغَيْرِهَا مِمَّا يَعْجِزُ عَنْ بَيَانِهَا طَوْقُ الْخَلْقِ. وَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ رُؤْبَةَ: مَا فِي الْقُرْآنِ أَعْرَبُ مِنْ قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الْحِجْر: 94]. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ لَيْسَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَفْظٌ جَمَعَ لُغَاتِ (مَا النَّافِيَةِ) إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ فِي الْقُرْآنِ، جَمْعَ اللُّغَاتِ الثَّلَاثَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ} [الْمُجَادَلَة: 2]. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {مَا هُنَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ} بِالْبَاءِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ عَلَى (افْعَوْعَلَ) إِلَّا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورَهُمْ}. [هُودٍ: 5]. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَطْوَلُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ، وَأَقْصَرُهَا الْكَوْثَرُ، وَأَطْوَلُ آيَةٍ فِيهِ آيَةُ الدَّيْنِ، وَأَقْصَرُ آيَةٍ فِيهِ {وَالضُّحَى}، {وَالْفَجْرِ} وَأَطْوَلُ كَلِمَةٍ فِيهِ رَسْمًا {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الْحِجْر: 22]. وَفِي الْقُرْآنِ آيَتَانِ جَمَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرُوفَ الْمُعْجَمِ {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 154]. {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الْآيَةَ. [الْفَتْح: 29]. وَلَيْسَ فِيهِ حَاءٌ بَعْدَ حَاءٍ بِلَا حَاجِزٍ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ {عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى} [الْبَقَرَة: 235]. {لَا أَبْرَحُ حَتَّى} [الْكَهْف: 60]. وَلَا كَافَانِ كَذَلِكَ إِلَّا {مَنَاسِكَكُمْ} [الْبَقَرَة: 200]. {مَا سَلَكَكُمْ} [الْمُدَّثِّر: 42]. وَلَا غَيْنَانِ كَذَلِكَ إِلَّا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ} [آلِ عِمْرَانَ: 85]. وَلَا آيَةٌ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ كَافًا إِلَّا آيَةَ الدَّيْنِ، وَلَا آيَتَانِ فِيهِمَا ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَقْفًا إِلَّا آيَتَا الْمَوَارِيثِ، وَلَا سُورَةٌ ثَلَاثُ آيَاتٍ فِيهَا عَشْرُ وَاوَاتٍ إِلَّا وَالْعَصْرِ إِلَى آخِرِهَا. وَلَا سُورَةٌ إِحْدَى وَخَمْسُونَ آيَةً فِيهَا اثْنَانِ وَخَمْسُونَ وَقْفًا إِلَّا سُورَةِ الرَّحْمَنِ. ذَكَرَ أَكْثَرَ ذَلِكَ ابْنُ خَالَوَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَبَّازِيُّ الْمُقْرِئُ: أَوَّلُ مَا وَرَدْتُ عَلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مَلَكْشَاهْ سَأَلَنِي عَنْ آيَةٍ أَوَّلُهَا غَيْنٌ، فَقُلْتُ ثَلَاثَةٌ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} [غَافِرٍ: 3]. وَآيَتَانِ بِخَلْف: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الرُّوم: 2]. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الْفَاتِحَة: 7]. وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ شَدَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ: فِي قوله: {نسِيَا رَبُّ السَّمَوَاتِ} [مَرْيَمَ: 64، 65]. {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} [النُّور: 40]. {قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]. {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ} [الْمُلْك: 5].
|